الخميس، 5 يناير 2017

                                  مملكة اشنونا

مملكة إشنونـّا هي دويلة سومرية في حدود ( 2028 ق.م. ) قامت بين نهر دجلة وديالي وسفوح جبال زغروس الشرقية وكانت عاصمتها "إيشنونا" في مكان بلدة "تل أسمر" اليوم وقد ظلت هذه الدويلة قائمة إلى ان ضمها حمورابي إلى دولته الكبرى عام 1761 ق.م.

أشنونة Ashnuna هو الاسم القديم لتل أسمر الأثري الواقع في منطقة ديالي في العراق على بعد 35كم شمال شرقي بغداد، حيث بدأت أعمال التنقيب منذ عام 1930-1938 وشملت أربعة تلال هي: تل أسمر وتل خفاجي وتل أجرب وتل إتشالي. وذلك برئاسة هنري فرنكفورت Henri Frankfort بتكليف من معهد الاستشراق الأمريكي في جامعة شيكاغو. واسم أشنونة هو الاسم المستحدث من الاسم القديم «أشنون» وهو اسم غير «سامي» الأصل ولا سومري. وصار يلفظ أشنونة في عصر النهضة السومرية (عصر الأسرة الثالثة في أور) ويعني في اللغة السومرية معبد الأمير. وتبين نتيجة التنقيبات الأثرية أن تل أسمر هو مدينة أشنونة السومرية القديمة التي تعود في تاريخها، بحسب تسلسل الطبقات الحضارية، إلى بداية الألف الثالث ق.م «عصر جمدة نصر»، وتنتهي في النصف الأول من الألف الثاني ق.م.

لم يعثر على لقى مهمة في أشنونة من طبقة عصر «جمدة نصر» باستثناء بعض الأختام الأسطوانية التي تنبئ عن علاقات تجارية واسعة تصل حتى الهند، وبعض المعابد التي جددت في عصور لاحقة حتى عصر أور الثالث. تتوضع طبقة عصر «جمدة نصر» فوق أنقاض طبقات حضارية تصل ثخانتها حتى الأرض البكر إلى 3.5م ولكنها لاتحوي آثاراً ذات أهمية. وعصر «جمدة نصر» في تاريخ أشنونة، هو الأساس لمرحلة بداية عصر السلالة السومرية الثانية التي سادت بلاد الرافدين (2800-2500ق.م)، وعرف هذا العصر باسم أحد ملوكها «ميزيليم» Mesilim وأهم المكتشفات العمرانية في أشنونة من هذا العصر معبد الإله آبو Abu الذي أصبح نموذجاً يقتدى به في بلاد الرافدين، وهو بناء بسيط تحيط به ثلاث غرف للعبادة ذات مداخل جانبية تحيط بصحن البناء المربع. وقد شيد المعبد على سوية الأبنية السكنية في المدينة فأصبح جزءاً من النسيج العمراني المحيط به. وأسلوب بنائه يجعل من العسير على العابد رؤية تمثال الإله مباشرة. والأهم في كل هذا هو كشف دفينة تتألف من اثني عشر تمثالاً لعابدين في قاعة المصلى رقم 2 بالقرب من منصة الإله، وكانت هذه التماثيل منصوبة في الأصل داخل المعبد، تقدمة من المحسنين الورعين لإله المعبد، وقد دفنت داخل المصلى بعد تحطمها حتى لا تبتعد عن رحمة الإله.

واللافت للنظر في هذه التماثيل أنها تختلف في أسلوب نحتها عن الأسلوب الواقعي الذي ساد في عصر «جمدة نصر» في بداية الألف الثالث ق.م، وأسلوب عصري الأسرة الثالثة في أور وأسرة العصر الأكدي، فهي هنا أقرب إلى التجريد والرمزية، إذ لا تظهر ملامح الجسم إلا بالخطوط الأساسية، فتبدو كأنها أفكار مجسدة لا تمت إلى الواقع الحسي بصلة؛ فالعيون تحتل معظم مساحة الوجه، وتظهر كأنها أقنعة تخفي وراءها فكرة ما.

عثر على معبد يعود إلى هذا العصر مجاوراً لقصر يشبه معبد آبو شيدهما حاكم المدينة إيتوريا Ituria لسيده شوسن šu-sin ملك أور (2038- 2028ق.م)، وهذه العادة في تأليه الملوك عرفت أول مرة في حضارة الشرق القديم في العصر الأكدي. وكان نارام سن حفيد صرغون هو أول من ألّه نفسه. ثم اختفت هذه العادة في نهاية عصر مملكة لارسا (سنكرة) (2025-1763ق.م). ومن البقايا العمرانية الأخرى التي عثر عليها في أشنونة أحياء سكنية وسور للمدينة من عصر معبد آبو، أي من بداية عصر الأسرة الثانية إضافة إلى قصر يرقى إلى العصر الأكدي.


أصبحت أشنونة عاصمة لدولة تدعى واروم Warum في مثلث دجلة ـ ديالي بعد سقوط حكم الأسرة الثالثة في أور (2003ق.م). وتحولت إلى قوة عظمى مدة من الزمن في نهاية عصر لارسا، ثم مالبثت أن اندمجت في دولة حمورابي. وقد عثر على عدد كبير من تماثيل أمراء أشنونة في مدينة سوسة Susa الإيرانية التي سلبها ملك عيلام شوتروك ناخونته الأول šutruk- Nahhunte في القرن الثاني عشر ق.م ونقلها إلى عاصمة سوسة. وكان من بين هذه التماثيل رأس حمورابي.

هناك تعليق واحد: