السبت، 11 فبراير 2017

                                  الملك الموسيقار 
الحضارة السومرية السعيدة الغافية على ضفاف نهر الفرات، ولد (شولكي)، وترعرع في أور ودرس في مدارس الكتبة (بيت الألواح). كان فتى في الصدارة، وأحرز السبق في كل من فن الكتابة والرياضيات. كان إنسانا بارعا. ولا شك انه كان بالغ الذكاء. تعلم الموسيقى التي كان يعشقها ولا ينام إلا على انغامها. بل صار موسيقيا ماهرا يعزف على آلات وترية أو هوائية، لأنه كان يلم بتقنيات الأصابع، ويفهم أنماط التأليف الموسيقي، وألف أغان وموسيقى وأعطاها لمدارس الكتبة في كل من (أور ونفر). عندما اعتلى (شولكي) دست الحكم على أكبر إمبراطورية في العالم، لم يهجر الموسيقى فالشعب السومري كان شعبا مرهف الإحساس متذوق، حتى أن ملكهم شولكي كان يسمى (الملك الموسيقار). فبالموسيقى دخل قلوب الناس، وكان شولكي في المناسبات المختلفة في بلاد سومر، يخرج ويعزف لشعبه مقطوعات موسيقية. وكان من أشهر الاته الموسيقية “قيثارة” وصفت بأنها ذات (ثلاثين وترا)، وآلة موسيقية أخرى سميت باسم أحد ملوك كيش القدامى (أورـ زبابا)، كما أسس شولكي دارا لتعليم الموسيقى ملحقة بقصره، تشبه إلى حد كبير معهد للموسيقى. ومن ابرز أعمال ذلك الملك العراقي القضاء على الأمية ومحاربتها. فقد نشر المدارس في أنحاء دولته وجعل جميع أبناء امبراطوريته يقرؤون ويكتبون كما يشير أحد النصوص المسمارية. كان شولكي يحترم كل المعتقدات الدينية الموجودة في البلاد التي تحت سلطته. ولم يكن يفرض معتقده أو دينه، فقد أمر ببناء معبد للإله (شرشيناك) في عيلام. كما تشير البقايا الاثارية التي عثر عليها في سوسة إلى إن شولكي بسط سيطرته السياسية على عيلام وانشان، فقد دخلت سوسة تحت الحكم السومري في السنة الثانية والعشرين من حكمه، وبقيت سوسة مدة طويلة تابعة للسلطة السومرية في أور، يديرها حكام تابعون لشولكي، ومن بينهم حاكم سوسة (اولكي ـ أوم). أما في العام 2112 قبل الميلاد، عندما ضعفت أور، شن العيلاميون حربا على أور فأحرقوها ونبشوا قبر شولكي، الذي شيد معابدهم ورمم قصورهم. كان شولكي رياضيا، عدّاء، يهتم برياضة الساحة والميدان. وتشير النصوص الى انه ركض من نفر الى أور وعاد بما مسافته ثلاثمائة وعشرون كيلو مترا. وكان يكرر ركض هذه المسافة مرات عدة، فهو في بعض الاحيان كان أسرع من العاصفة، كما يقول أحد النصوص المسمارية. كان دائما يظهر نفسه رياضيا يتمتع بقوة ومقدرة فائقة في العدو (كبغل جبلي). اهتم شولكي بطرق المواصلات بين ولايات دولته. ويفاخر في نص له انه وسع الطرق وجعلها مستقيمة. وأمن طريق السفر، وشيد عليها استراحات كبيرة، وزرع حولها حدائق وأشجار حتى إذا ما أتى المسافرون يمكنهم أن ينعموا بظلها. كان مبيت المسافرين في دور الاستراحة مجانا. ومن الاشياء اللافتة لدى الملك العراقي (شولكي) انه كان يعرف التحدث بلغات اخرى لم يعرفها الذين سبقوه. لهذا كان يستطيع محادثة ملوك وسياسيين وفنانين وتجار من بلاد عيلام وبلاد الشام ومصر واليونان والهند والصين من دون الاستعانة بمترجم. ومن أعمال شولكي المهمة في بداية توليه حكم الإمبراطورية هو تقسيم دولته إلى ولايات يدير شؤون كل واحدة منها حاكم يتمتع ببعض الحرية والاستقلالية. كما وضع شولكي تقويما جديدا ليستعمل في عموم الإمبراطورية، ووحد الأوزان والمقاييس في مناطق بلاده. كما بنى مصانع نسيج ونجارة وحدادة ودباغة فقضى على البطالة. كما اهتم بالزراعة. فصل الملك شولكي الدين عن السياسة. فالدولة في حكمه تدار من القصر وليس من المعبد. وهذا ما يشهد به قصره الكبير الذي بناه في أور. وسيطرت الحكومة في عهده على موارد المعبد الطائلة. ووضع جميع أملاك المعابد تحت سيطرة حاكم الولاية. وبهذا أصبح حكمه مدنيا. واقدم شولكي على وضع برامج اصلاحات ادارية واقتصادية. وكان شولكي أول ملك يذيع على الناس مجموعة من القوانين التي نسبت إلى أبيه، يذكر فيها صراحة ان هدف هذه القوانين حماية الضعيف اقتصاديا من الغني أو كما يعبر شولكي “لم أسلم اليتيم للرجل الغني؛ ولا الأرملة للرجل القوي”. يذكر أحد النصوص المسمارية انه شولكي “قد شغفته العدالة حبا، فكان لا يتكلم إلا ويسيطر على المجلس الذي يتكلم فيه”. اهتم شولكي بالعمران والبناء فأكمل بناء زقورة أور، وزقورة الوركاء، وجدد بناء حارة “تمال” مقر عبادة الآلهة (ننليل) في مدينة نفر. وكان شولكي أديبا يكتب الشعر والتراتيل.


هناك تعليق واحد: